إستكمالاً للقسم الأول عن معرض رشيد كرامي الدولي، والذي يعد أحد أكبر المعارض في العالم العربي، نستعرض لكم التفاصيل عن المراحل التي مر بها والعديد من المشاكل التي يواجهها، إضافة إلى إدراجه على لائحة التراث العالمي والتراث المهدد بالخطر أيضاً ..

المراحل التي مر بها:

تم التخطيط والتصميم لإنشاء المعرض بطريقة فريدة وطموحة، إلا أنه لم يصل إلى مرحلة الاكتمال والتشغيل الكامل، بسبب الظروف السياسية والمالية التي رافقت إنشاءه وتسببت في إهماله لاحقاً.
ومر المعرض بعدة مراحل قبل وصوله لوضعه الحالي:

  • التخطيط والتصميم (1962-1963): تم وضع المخططات الأولية لمعرض رشيد كرامي الدولي في أوائل الستينيات، من قبل المهندس المعماري العالمي أوسكار نيماير. وبدأت فكرة إنشاء المعرض في مدينة طرابلس، فلقد كانت مدينة ثانية للبنان، وتعتبر مركزاً اقتصادياً وثقافياً مهماً، وتم اختيارها لتكون موقعاً لهذا المشروع الكبير.
  • بدء التنفيذ (1964- 1967): انطلقت أعمال بناء المعرض في عام 1964، وشهدت تقدماً بطيئاً حتى عام 1967، بسبب تحديات مالية وسياسية. تم تنفيذ جزء كبير من الإنشاءات المخطط لها، لكن المشروع لم يكتمل في الموعد المقرر له بسبب تعثر التمويل والظروف السياسية.
  • توقف الأعمال (1975): مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، توقفت أعمال بناء المعرض بشكل كامل، ورغم الانتهاء من بعض المنشآت، لم يتم تشغيلها بالشكل المطلوب ولم يفتتح المعرض رسمياً.
  • محاولات الترميم بعد الحرب (1990- 1996): بعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان في أوائل التسعينيات، بدأت محاولات لإعادة إحياء المعرض بين عامي 1993 و1996. تم تنفيذ بعض أعمال الترميم المحدودة، إلا أن نوعيتها كانت دون المستوى المطلوب ولم تلبِ احتياجات المنشآت الهندسية، مما أدى إلى تدهور إضافي في حالتها الهيكلية.
  • إدراج المعرض على لائحة التراث (2023): في عام 2023، أدرجت منشآت المعرض ضمن قائمة اليونسكو للمباني التراثية الواجب الحفاظ عليها، اعترافاً بأهميته المعمارية والتاريخية. ورغم ذلك، ظل المعرض يواجه إهمالاً حكومياً، ولم تُتخذ خطوات جادة لإكمال الإنشاءات أو إعادة تأهيلها بشكل يتناسب مع قيمته كتحفة معمارية.

أهمية المعرض بين البعد التراثي والتأثير الاقتصادي:

يُعتبر معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس رمزاً معمارياً وجمالياً فريداً يعكس الاتجاهات الحديثة لفن العمارة في القرن العشرين، إذ يتميز بتصاميمه الإبداعية ومساحاته الخضراء الواسعة وبركه المائية التي تبرز قيمته، كواحدة من التحف الفنية والهندسية في لبنان والمنطقة العربية. بفضل هندسته المتقدمة من الباطون المسلّح، يمثل المعرض أحد أهم إبداعات الهندسة الإنشائية التي تمثل حقبة الخمسينيات والستينيات.
من الناحية الاقتصادية، يشكل المعرض فرصة هائلة لتحفيز الاقتصاد المحلي، إذ كان من المتوقع عند إنشائه في الستينيات أن يوفر أربعة آلاف فرصة عمل، مما يعزز دوره كرافعة إقتصادية للمدينة. إلا أن عدم استغلاله بالشكل الأمثل وتحويله إلى معرض دائم حالت دون تحقيق هذه الآمال، بسبب عقبات سياسية ودراسات جدوى اقتصادية لم تُترجم إلى أفعال.
رغم هذه التحديات، يبقى المعرض الأمل الرئيسي لسكان طرابلس، الذين يرون فيه فرصة مهدورة لإعادة إحياء مدينتهم اقتصادياً، خاصة وأنه المعرض الرسمي الوحيد في لبنان الذي يعمل تحت وصاية وزارة الاقتصاد والتجارة ويُعد من بين أهم 14 معرضاً عالمياً.
جمالياً، يضيف المعرض إلى لبنان موقعاً سادساً على قائمة التراث العالمي، إلى جانب مواقع أثرية أخرى مثل بعلبك وجبيل وصور، ويعكس حقبة ذهبية من النمو والتطور في لبنان قبل اندلاع الحرب الأهلية. تظل أهمية المعرض مستمدة ليس فقط من هندسته الاستثنائية، بل أيضاً من دوره كمؤشر على الحضارة والتطور الذي شهده لبنان في تلك الحقبة.
وقال المهندس فادي عبيد للفن: "أن المعرض يستقطب أعداداً هائلة سنوياً من الزوار من لبنان وخارجه، وأن معرض رشيد كرامي يُزار مثل ما تزار قلعة طرابلس، ويعتبر أكبر معرض تقريباً في الشرق الأوسط، الموجود في الشرق" وأضاف:"نظراً لأهمية المعرض الكبيرة، أحثُّ الدولة على اتخاذ قرارات لإعادة ترميم المعرض والاهتمام به، لأنه يساعد جداً بالنهوض باقتصاد لبنان، إذ أن وجود معرض بهذه القيمة، وبعناصر القوة التي يتمتع بها، يعتبر مركزاً لمعارض ومسارح ومطاعم، وغيرها، يساهم في تأمين أكثر من 3000 فرصة عمل لكل اللبنانيين، وبالتالي يساعد اقتصاد طرابلس ولبنان".

المشاكل والتحديات التي يواجهها المعرض:

يعاني معرض رشيد كرامي الدولي من أزمات متراكمة تعرقل أداءه وتحد من قدرته على التطور، وتتمثل أبرز هذه الأزمات في الآتي:

  1. التمويل غير الكافي: تفتقر موازنة المعرض إلى الدعم المالي الكافي من الدولة، مما يؤثر سلباً على عمليات التطوير والصيانة الأساسية للمنشآت. وتشير التقديرات إلى أن إعادة تأهيل وترميم المعرض تتطلب مبلغاً كبيراً بعيد المنال حالياً.
  2. تعقيدات الأنظمة البيروقراطية: تواجه إدارة المعرض صعوبات بسبب الأنظمة التي تنظم عمله، مما يحد من قدرته على تنفيذ الأنشطة التي أنشئ لأجلها. الإجراءات الطويلة والمعقدة تؤدي إلى بطء تنظيم الفعاليات وجذب الأنشطة.
  3. غياب دور القطاع الخاص: تحوّل المعرض إلى مؤسسة عامة منع الاستفادة من حيوية القطاع الخاص في تطويره واستثماره، مما أدى إلى تفويت العديد من الفرص الاستثمارية.
  4. تأخر إكمال المنشآت والتدهور الهيكلي: لا تزال العديد من منشآت المعرض غير مكتملة، وما تم إنجازه منها يعاني من التدهور بسبب غياب أعمال الصيانة اللازمة وانعدام التشغيل، نتيجة نقص التمويل.
  5. الإهمال والتدهور المستمر: يعاني المعرض من الإهمال منذ عقود، فلقد تدهورت بعض مبانيه وتشققت جدرانه وأعمدته بسبب غياب الصيانة الدورية وعدم توفير التمويل المطلوب. في عام 2016، انهار جزء من سقف المسرح المكشوف، وكشفت هذه الحادثة عن تشققات إضافية ومشاكل هيكلية خطيرة.

وعن إهمال المعرض يقول المهندس فادي عبيد: "المعرض يعاني من إهمال وتهالك أبنيته الخراسانية المصنوعة من إسمنت وحديد، لدرجة أن هناك بعض الأبنية يمنع الإقتراب منها لأنها مهددة بالسقوط"، وأضاف: "للأسف لم يتحقق الهدف من إنشاء المعرض، لأنه سُرق وكُسر بالحرب، وبعد عام 1991 لم تعطِ الدولة الأهمية الكافية للمعرض، لدرجة أن مجلس الإدارة في المعرض مؤلف من شخصين فقط". وتابع أن تحويل المعرض لرعاية القطاع الخاص عبر الـ BOT، يساهم إيجابياً بتطور المعرض، ويعطي حرية للتحرك واتخاذ القرارات، كما أن الكثير من الشركات أبدت استعدادها للدخول للمعرض وترميم أبنيته وأن يكون تحت إدارتها".

إدراج المعرض على لائحة التراث العالمي والتراث المهدد بالخطر:

أدرجت لجنة التراث العالمي في منظمة اليونسكو، في كانون الثاني/ يناير عام 2023، معرض رشيد كرامي الدولي إلى لائحة التراث العالمي والتراث المهدد بالخطر.

ونشرت اليونيسكو بياناً، ذكرت فيه أن "هذا المعرض كان المشروع الرائد من بين مشاريع سياسة تحديث لبنان في ستينيات القرن الماضي، والمعرض من ناحية حجمه وغنى الأنماط الهندسية فيه يعد أحد الأعمال الهامة التي تمثل فن العمارة الحديث في القرن العشرين في المنطقة العربية من الشرق الأوسط".
وأضاف البيان "أدرجت لجنة التراث العالمي هذا الموقع على قائمة التراث العالمي المعرض للخطر، نظراً إلى حالة صونه المثيرة للقلق ونقص الموارد المالية اللازمة لصيانته والمخاطر الكامنة في مقترحات تطوير المجمع التي قد تضر بسلامته".
وقال المهندس فؤاد عبيد عن إهمال المعرض: "المال هو السبب وراء الإهمال، والإسمنت بحاجة لصيانة وترميم وهذا يتطلب المال، وبما أن المعرض يقع تحت إشراف وزارة الإقتصاد، فإن أي قرار يتخذ بشأن المعرض بحاجة لموافقة وزير الإقتصاد، وحالياً وزير الثقافة، بالرغم من أن هناك قانون يعطي الحرية لمجلس إدارة المعرض باتخاذ القرارات، إلا أن الإدارة حالياً مؤلفة من شخصين فقط، والباقي سقطت عضويتهم، والمجلس يعمل حالياً بأقل الموارد لصيانة الحدائق والقسم الداخلي من الحدائق". وأضاف أن إدراج المعرض ضمن قائمة التراث العالمي والتراث المهدد بالخطر، يساعدنا على إيجاد التمويل وحماية الأبنية وترميمها. بالإضافة إلى أنه اكتسب أهمية كبيرة بإدراجه على اللائحة.

استخدامات المعرض من الأهداف المحددة إلى الواقع:

ان الهدف سابقا من معرض رشيد كرامي الدولي، أن يكون مركزاً حيوياً للفعاليات الإقتصادية والثقافية، إلا أنه يواجه حالياً تحديات كبيرة تحول دون استغلاله بالشكل الأمثل.
فسابقاً، حددت استخداماته لأهداف متنوعة، من استضافة مجموعة متنوعة من الفعاليات المحلية والعالمية، بما في ذلك المؤتمرات والمعارض والندوات والمهرجانات والاحتفالات بمختلف أنواعها، خاصة الاقتصادية والتجارية والثقافية والفنية والسياحية والرياضية، بالإضافة إلى ذلك، إقامة مشاريع تجارية وخدماتية، وأن يكون أرضاً لمعارض دولية دائمة.
أما حالياً، فيقتصر استخدام المعرض على عدد محدود من الأنشطة، إذ يستغل في بعض المناسبات مثل مهرجان طرابلس السنوي، وحفلات فنية ومعارض محلية، مع بقاء معظم مساحاته غير مستخدمة على مدار العام. كما أصبحت مساحاته الخضراء تستخدم للرياضة ومقصداً للعائلات مع أطفالهم من أهل المنطقة المحيطة فيه.

شكراً للمهندس فادي عبيد الذي زودنا بكافة المعلومات.